الخوف

الخوف ليس طارئا يعترض طريق الانسان، بل هو جزء اصيل من تكوينه، كظل يلازمه في كل خطواته، يتخذ اشكالا متعددة، يخفت حينا ويشتد حينا، لكنه لا يزول ابدا..
انه الصوت الذي يهمس في اعماقنا، يحذرنا، يقيدنا وربما يدفعنا الى افعال لم نكن لنتخيل انفسنا نقوم بها..
فالطفل يخاف ظلمة الليل، والطموح يخشى الفشل، والعاشق يهاب الخذلان مجددا.. 
الخوف ليس واحدا، بل لكل انسان خوفه الذي يولد معه.. يكبر معه.. وقد يموت معه.

يرى البعض ان مخاوف الاخرين تافهة، لكن ما يبدو بسيطا لاحدهم قد يكون هاجسا يؤرق اخر حتى يهوي به الى الجنون..
في "قلب ضعيف" لدوستويفسكي، نجد البطل فاسيا شماجين، يعيش رعبا لا تفسير له، ليس من الموت، وليس من فقدان شيء ثمين، بل من مهمة بسيطة يخشى ان يعجز عن تنفيذها.. لم يكن خوفه من الفشل وحسب، بل من السعادة أيضا كأنما كان يعتقد انه لا يستحقها لأنه فقط لم يعرفها مسبقا.. 
تفاقم خوفه حتى ابتلع عقله تماما، وسلبه اخر ما تبقى من اتزانه..  

وفي "غاتسبي العظيم" ل سكوت فيتزجيرالد، نرى خوفا من نوع اخر يتجسد في بطل الرواية جاي غاتسبي، الذي لم يكن يخشى الفقر، ولا المغامرة، ولا حتى الخطر.. بل كان مذعورا من فكرة الرفض.. لقد قدم المستحيلات وعبر الزمن محاولا ان يعيد حب ديزي، ليس حبا مجردا، بل خوفا من ان يواجه الحقيقة، من ان يدرك انها لن تعود ابدا.. الخوف من الرفض مجددا..

الخوف حالة بشرية غريبة، لكنه في جوهره ليس سوى انعكاس لما نحمله من تجارب وندوب..
انه يولد من صدمات الماضي، من الكلمات التي جرحنا بها ونحن صغار، من الهزائم التي لم ننسها، من الاحلام التي لم تكتمل.. 
انه كائن يتغذى على الذاكرة، يتسلل الى اعماقنا عبر الشك، وينمو في مساحات اللايقين.. واحيانا حين نعجز عن مواجهته نصبح نحن صناع مأساتنا..  نهرب الى حيث كنا نخشاه، فنصنع لانفسنا قدرا كنا نحاول تجنبه..

الخوف اذا ليس مجرد شعور بل قوة جبارة.. سلاح ذو حدين.. قد يدفع الانسان الى المجد، وقد يقذفه الى الهاوية.. 
يختلف في اشكاله بين البشر لكنه يبقى في كل القلوب كظل لا يغيب.. 
وللناس فيما يخافون مذاهب!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص كتاب القلوب المنكسره

الانحلال الاخلاقي

الانتقام في علم النفس