الفكره لاتموت

الفكرة لا تموت.. لانها لا تنبت من فراغ، بل تولد في لحظة صراع بين نور داخلي وعتمة تحيط بالإنسان.. وكل فكرة حقيقية تهز العالم حين تخرج من رحم التأمل.. لذلك لا تتقبل المجتمعات بسهولة من يشعل مصباحا في عتمتها، فتسعى لقمعه أو تهميشه. ولكن الحقيقة الأبدية أن الفكرة، متى أبصرت النور، تصبح كيانا قائما لا تموت بموت جسد من أطلقها، بل تحيا، وتظل شاهدة على أن صاحبها مر عبر هذه الأرض وترك أثرا لا يمحى..

سقراط، الفيلسوف الذي علم شباب أثينا أن يسألوا ويشك عما حولهم، دفع حياته ثمنا لفكرته.. حين حوكم بتهمة إفساد عقول الشباب والكفر بالآلهة، لم يتراجع، بل شرب السم طوعا، ومات باسما، ليبقى مثالا خالدا للشجاعة الفكرية.

هيباتيا الإسكندرية، العالمة الفيلسوفة، ألهمت عقول زمانها بالعلم والمنطق.. غير أن حقد الجهل والتعصب اجتمع عليها، فس/حلت ومز||قت، لأنها جرؤت على التفكير الحر، وكانت امرأة.

الحلاج، ذاك الصوفي الذي غاص في أعماق الروح حتى صاح أن في كل ذرة تجل إلهي، صل|ب وشوه وأهين، لأن زمانه لم يتحمل عمق تجربته الروحية وشطحاته التي أزعجت سلطان الظاهر.

ابن المقفع، كاتب الحكمة والأخلاق، سعى لنشر العدل بالكلمة، فم||زق جسده وجعل عبرة لكل من تسول له نفسه أن يواجه الاستبداد بالقلم.

جاليليو، عالم الفلك الذي أكد أن الأرض تدور حول الشمس، أجبر على إنكار اكتشافه أمام محاكم التفتيش، ثم وضع قيد الإقامة الجبرية، لكن فكرته لم تمت، بل فتحت للعلم أبوابا جديدة.

جيوردانو برونو، الفيلسوف الذي حلم بعوالم لا نهائية، أحر||ق حيا لأن فكره حلق أبعد مما تحتمله عقول معاصريه.

مارتن لوثر كينغ، الحالم بمجتمع لا يميز بين إنسان وآخر، أسكت بالرص||اص، لكن حلمه كبر حتى غطى سماء العالم.

باتريس لومومبا، صوت الحرية في أفريقيا السوداء، سح|ق ومز|ق جسده، غير أن روحه بقيت في كل حركة تنادي بالتحرر من الاستعمار.

غاندي، الرجل النحيل الذي هزم إمبراطورية عظيمة بسلاح اللاعنف، أطلق عليه الرصا|ص، لكن فلسفته بقيت نبراسا لكل مقاوم للطغيان.

ناصر السعيد، صوت معارضة قادم من صحراء العرب، اختطف واختفى، لكن اسمه ما زال يهمس في ذاكرة الباحثين عن الحرية.

أنطونيو غرامشي، المفكر الإيطالي الذي كشف آليات السيطرة الثقافية، سجن وعذب حتى مات، دون أن تنكسر كلماته.

ابن رشد، عقل الأندلس، الذي حاول المصالحة بين الدين والفلسفة، طورد وحورب ونفيت كتبه، لكنها عادت تنير طريق النهضة الأوروبية.

ابن حنبل، الفقيه الذي جلد وعذ|ب لأنه أصر على موقفه العقائدي، أصبح رمزا للثبات في مواجهة البطش.

فولتير، ساخر فرنسا العظيم، سجن ونفي، لكنه حفر اسمه فوق صفحات الحرية بأظافر الفكر الساخر والناقد.

نيكولا تسلا، مخترع المستقبل، عاش مهمشا فقيرا في أواخر أيامه، بينما كانت إنجازاته تضيء مدن العالم.

كل هؤلاء وغيرهم الكثير والكثير، رغم اختلاف أزمنتهم وجغرافياتهم، تقاسموا ذات القدر، قدر المفكرين الذين عرفوا أن الفكرة حين تولد من روح الإنسان تصبح أعظم من جسده، وأبقى من حياته.. يموت الجسد، وتبقى الفكرة شاهدة على أن صاحبها مر من هنا، يوما، حاملا شعلة نور في عتمة العالم.

وانت عزيزي القارئ ما يمنعك من التفكير في أمور بسيطة وبديهية!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص كتاب القلوب المنكسره

الانحلال الاخلاقي

الانتقام في علم النفس