الوحده
الوحدة هي تلك اللوحة التي ترسمها أرواحنا بحبر من الصمت وظلال من الخوف.. هي كالسجن الذي نبنيه بأيدينا، نختبئ داخله من العالم، نحتمي به من المجهول، لكننا نكتشف سريعا أنه ليس ملاذا بل عبء ثقيل يقيدنا بسلاسل غير مرئية، لا يراها أحد سوانا.. الذين ألفو العزلة، يتحولون مع الوقت إلى كائنات تخشى التفاعل، تخشى أن تفتح قلبها لعالم قد يبدو مخيفا وباردا.. كل محاولة للاقتراب منهم من قبل الآخرين أشبه ما تكون برحلة عبر أرض مليئة بالألغام.. يخافون من الاندماج، من تكوين علاقات جديدة، يخافون أن تنكشف هشاشتهم أمام الآخرين..
ومع ذلك، فإن هذه الوحدة التي يتمسكون بها كدرع، هي نفسها التي تدفعهم إلى التمسك بجنون بمن تبقى في حياتهم.. كالغريق الذي يتشبث بقطعة خشب صغيرة وسط محيط هائج، يتمسكون بأشخاص قد لا يكونون مناسبين لهم، فقط لأنهم يخشون من الانغماس في ظلام الوحدة.. حتى حبهم ليس حبا مطلقا، بل خوفا من الفراغ الذي قد يبتلعهم إن غادروا..
هذه السلاسل التي تقيدنا هي خليط من تناقضاتنا؛ نكره الوحدة، ولكننا نخاف الناس اكثر.. نبحث عن الأمان في العلاقات، ولكننا نخشى أن توذى أرواحنا. نحب الانعزال، ولكننا نخاف من الفقد.. إنها حالةٌ مأساوية من الصراع الداخلي الذي لا يمكن فهمه بسهولة..
الوحدة ليست فقط غياب الآخرين، بل هي فقدان القدرة على أن نكون حاضرين في عالمهم..
ربما يكمن الحل في أن نتعلم أن الوحدة والعزلة ليست عدوا يجب أن نهرب منه، بل رفيق يمكن أن نتعايش معه.. أن نمنح أنفسنا فرصة لأن نكون ضعفاء، أن نتقبل خوفنا، وأن نجرب؛ ولو بخطوات صغيرة أن نفتح نافذتنا على العالم.. ليس من أجل الآخرين فقط، بل من أجل أنفسنا، كي نعيش بحرية لا تقيدها تلك السلاسل التي صنعناها بأيدينا..
تعليقات