الانحلال الاخلاقي
الانحلال الأخلاقي
يستخدم مصطلح الانحلال الأخلاقي للإشارة إلى تدهور أو انهيار المبادئ الأخلاقية لحضارة أو مجتمع ما، ولأن الأخلاق هي المُقوم الأساسي لتصرفات الإنسان فإن انحلالها وخروجها عن المسار الصحيح ليس بشيء حميد، وهناك عدة مجتمعات تعاني من الانحلال الأخلاقي ولكن بدرجات متفاوتة، وتعتبر الأخلاق هي الآلية التي نحدد من خلالها ما هو السلوك المناسب وغير الصحيح، وبعبارة أخرى، دليل السلوك الجيد أو الصحيح، وتصف النظرية الأخلاقية كيف يتخذ البشر قراراتهم بشأن الصواب والخطأ في أفعالهم وأحكامهم اليومية ولذلك الفعل الذي يتسم بالبعد عن الأخلاق الجيدة فإنه منبوذ ومكروه.
أكد العديد من الفلاسفة والمفكرين على طبيعة الذات البشرية وحاجتها للتحول من النزعة الفردية إلى الاختلاط الجماعي والبحث عن الاندماج. صلبة مجموعات بشرية تشكل فيما بينها ما يعرف سوسيولوجيا بالمجتمع. المجتمع كرمز هو هيكل يجمع بين طياته عموم البشر، باختلاف الجنس والعمر والدين، تجمع بينهم روابط القيم والأخلاق. إلا أن القيم الإنسانية النبيلة شهدت تدهور واضمحلال كبير داخل المجتمع الذي أصبح في الطريق إلى إعادة إنتاجه وتشكيله.
يستمد الإنسان القيم والقواعد التي يتعامل بها مع أفراد المجتمع من عدة مصادر مختلفة الرؤى ولعل أهم هذه المباحث، المناهج التاريخية كالفلسفة والدين. يأتي الدين كأول مصدر تشريعي للقيم النبيلة، التي أتى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته السماوية والتي كانت مرتكزها الأخلاق ومكارمها. ودعوة الإسلام إلى هدم أصنام الرجعية بما تحمله من مخاطبة غريزة الفرد واعتناق دين جديد، هدفه تكريم الفرد وتهذيب أخلاقه وإرشاده لطريق الحق والسلام. الرسالة المحمدية كان هدفها تحديد العلاقة بين الأفراد من جهة، ومن جهة ثانية دعوة الأفراد لاعتناق قيم التسامح واحترام الآخر والابتعاد عن الرذيلة وجميع المفسدات اللغوية والمادية. الفلسفة اجتمعت مع الدين في هذا السياق، فمن أهداف الفلسفة البحث عن الأفضل في حياة الإنسان ودعوته بالارتقاء بنفسه لعوالم الخير، بعيداً عن الشر، دنيا الفضيلة لا الرذيلة.
تحطم لصورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي
أفلاطون بحث عن جمهورية يكون شعبها مثالي، نقي بدون شوائب، إلا أن عصرنا الحالي شهد المجتمع انحداراً أخلاقياً و قيمياً، أصبح الإنسان سجين غرائزه باحثاً عن اللذة والمتعة بأي وسيلة، وسقوط نحو الهاوية بدون توقف أو ردع. أصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع، خطاب العنف والدم رائج بكثرة بسبب أو بدونه، تعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بسلاح العنف اللفظي والمادي. أصبحنا نشاهد جرائم بشعة في وضح النهار وأعقاب الليل يليه اعتداءات سافرة على المنشآت الصحية العمومية في حالة عجز الإطار الطبي على إنقاذ الضحية من الموت، فيصب أقارب الضحية جام غضبهم على المعدات الطبية أو الطبيب المباشر للحالة.
العنف كخطاب سائد لم يقتصر على عموم المواطنين، فقد انتقل إلى الطبقة السياسية والنخبة المثقفة، أصبحت المنابر الإعلامية ساحة لتبادل الشتائم وهتك الأعراض وحتى التهديد بالاستئصال بعيداً عن التحاور المعقول، والبحث عن مناقشة البرامج وإيجاد الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية. للأسف المجتمع أصبح مسرح كبير لكل المظاهر السلبية الضاربة لكل القيم النبيلة عرض الحائط، فلا صداقة أصبحت رمز للوفاء، ولا الحب ظل مدرسة العشاق، غلبت الانتهازية على طباع البشر، المصلحة الذاتية قبل تماسك المجموعة. البحث عن أسهل الطرق للنجاح بدون تعب أو اجتهاد وذلك لسيطرة الغزيرة على شخصية الفرد، وطمس لمعالم العقلانية في سلوكه الحياتي اليومي.
المصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد عرفت تحطيم و تفكيك لها ألا وهي العائلة، فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية. صورة سيئة الإخراج للأسرة داخل المجتمع، تفكك مادي ومعنوي ساهمت فيه بصفة كبيرة التكنولوجيات الحديثة. كما شهدنا تحطم لصورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة، الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة النبوة. إنما الأمم أخلاق، إن ذهبت ذهبوا، يوم بعد يوم يزداد الوضع قتامة وبشاعة، وأصبحنا نعرف انقلاب قيمي وأخلاقي ساهم تدهور التعليم مساهمة فعالة للحالة الاجتماعية، بالإضافة لابتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي. لكن للأسف كان للعولمة دور بارز في تحطيم الدين والفكر الفلسفي لصالح مناهج جديدة أصبحت تخاطب غريزة الفرد.
أسباب الانحلال الأخلاقي
هناك عدة أسباب تؤدي إلى الانحلال الأخلاقي، منها ما يأتي ذكره:
1تدهور الأخلاق والسلوك:
تتمثل إحدى المشكلات المتعلقة بكيفية تعريفنا للأخلاق اليوم في أنها تستند إلى الذاتية بالنسبة لغالبية الناس، وبعبارة أخرى، يقرر الأفراد ما هو السلوك الأخلاقي وما هو غير الأخلاقي حسب ظروفهم الخاصة وبيئاتهم، فلا توجد معايير واضحة ومحددة للسلوك معترف بها عالمياً. التفكك الأسري: لأن العديد من الآباء يفشلون في تعليم الأخلاق لأبنائهم، فإن المُثل الأخلاقية للمجتمع تتدهور، كما يتفاقم الانحطاط الأخلاقي بسبب عدم احترام الآخرين، والشعور بالاستحقاق، والنرجسية المتفشية، ويؤدي التفكك الأسري إلى التسبب في فقدان الأطفال لاحترامهم لذاتهم واحترامهم للآخرين.
2وسائل الإعلام:
تؤدي وسائل الإعلام إلى الانحلال الأخلاقي لأنها تبث رسائل وصورًا غير محررة للجمهور، وتؤدي زيادة الوصول إلى مجموعة متنوعة من الوسائط، بما في ذلك التلفزيون والموسيقى والإنترنت وألعاب الفيديو والهواتف المحمولة، إلى زيادة الانحلال الأخلاقي؛ لأن معظم هذه الوسائط تبث العنف والإجرام والفحش.
3ضعف الوازع الديني:
إذ لم يكن هناك ثمة رادع أو مبدأ يعيش عليه الإنسان فسيؤدي به الحال إلى الانحلال الأخلاقي، وهنا لا بد من القول إن للدين دورًا كبيرًا في وضع دليل للتعامل والسلوك الذي يجب أن يلتزم به الإنسان للمحافظة على مجتمع سليم من الأذى.
علاج الانحلال الأخلاقي
هناك عدة طرق يمكن بها معالجة الانحلال الأخلاقي أو الوقاية منه، من ضمنها ما يأتي:
1تحقيق الذات:
عندما تحقق رغباتك وذاتك وتكون مكتفيًا بما تملك، فإنك بالتأكيد ستحافظ على أخلاقك والسلوك الصادر منك.
2التعليم:
يمكن محاربة الانحلال الأخلاقي بتعليم الشباب والأطفال وكافة أفراد المجتمع القيم والسلوك الصحيح، ويكون التعليم ليس فقط في المدرسة، وإنما أيضاً في المنزل؛ لأن الأطفال والشباب يتعلمون من والديهم كيفية التصرف والتعامل مع الآخرين، ولأن التعليم هو العمود الفقري للأمة دائما ما يكون بحاجة إلى التجديد والمراقبة، مع استثمار المزيد من الوقت والمال والتركيز في هذا القطاع الرئيسي.
3المؤسسات الدينية والحكومة:
قد تكون بعض التضحيات حتمية، فيجب تقديم التزامات كبيرة وخلق توجهات جديدة وابتكار مفاهيم جديدة وتوجيهها واضافتها لمكافحة الجرائم، سواء كانت خطيرة أوصغيره
اعداد سفير السلام /محمدعبدالكريم الشعيبي
تعليقات