الانتقام في علم النفس

الانتقام غريزة راسخة في التاريخ والنفس البشرية ، وقد تحرك هذه الغريزة مشاعر الأسي ، أو الإهانة ، أو الخنق ، الناجمة عن الظلم وحب الانتصاف من الظالم المعتدي . وللانتقام غايات نفسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية بطبيعة الحال ، كأن تكون غاية الثأر رد الاعتبار ، وإثبات الذات ، وحماية الممتلكات . بيد أن للثأر الفردي عيوباً ، فهو فوضوي وغير مقنن ، لذلك كان لزاما تدخل سلطة عليا ( الدولة ) حين راحت المجتمعات البشرية تتوسع وتتحضر ، فأقرت نظام قضائية لرد المظالم ، وإعادة الحقوق لأصحابها . لا يتردد فاینمن في إعلان موقفه الشخصي من الانتقام ، فبدلاً من ادعاء المثالية ، نجده يقول في خاتمة كتابه:" يتعرض الانتقام لكثير من التشنیع ، بغير وجه حق أحياناً . لكن يمكنه ، مثلما رأينا ، أن يفضح المظالم الأجتماعية ويضبطها ، ويمكن أن يكون وسيلة مهمة هادئة للتأقلم مع الظروف حين تكون العلاقات منحرفةً أو قمعيةً" .

يعتبر الانتقام واحداً من أقدم الدوافع الإنسانية حتَّى أن البعض يعتبره من الغرائز الأساسية، فإذا نظرنا في قصة قابيل وهابيل سنجد أن القتل لم يكن بدافع الغيرة فقط، بل بدافع الانتقام أيضاً.

ويكاد يتفق الباحثون أن التفكير بالانتقام عند التعرض للإساءة أمر طبيعي يصعب تجنبه، حتى الأطفال يمتلكون دوافع انتقامية واضحة من الأشخاص وحتى من الأشياء التي تزعجهم، ما يتغير من شخص لآخر هو القدرة على ضبط هذه الدوافع والتحكم بها، ثم اتخاذ القرار بالانتقام من عدمه، ثم القيام بالأفعال الانتقامية، ففي أي لحظة من اللحظات قد يتراجع المقدم على الانتقام عن قراره بسبب تغيير بسيط في المعطيات.

يعد الانتقام من الدوافع الإنسانية الغير مقبوله
 ولكن في بعض الأحيان تكون ممارسة الانتقام أمراً صحياً، وأهم شيء أنه مسألة نسبية تتوقف على السبب وراءه؛ فالانتقام في حد ذاته نادراً ما يحل مشكلة أو يشفي جرحاً عاطفياً. وفي أغلب الأحيان يكون الانتقام لذة تدوم لحظة.
 دوافع الانتقام
عدة أسباب تدفع الشخص للسعي للانتقام مثل تعرضه للسخرية بشكل غير لائق من زميل أمام الآخرين، أو أن رئيسه في العمل فضل شخصاً عليه عند الترقية أو أن يتعرض لكذب صديق مقرب إليه، ومن الأقوال المأثورة «إن الانتقام جميل»، وهو قول يقفز غالباً إلى الذهن في مثل هذه المواقف، ويعد هذا القول مسألة صائبة حيث إنه لا ينبغي عليك أن تكبت الفكرة الأولية للانتقام لأنها يمكن أيضاً أن تكون قوة دافعة لتحقيق المنفعة.

ويقول البروفيسور ماريو جولفيتزر بجامعة فيليبس بمدينة ماربورج الألمانية إن الانتقام يعد ظاهرة تحدث كثيراً في حياتنا اليومية، وأمضى جولفيتزر أعواماً عدة في إجراء أبحاث حول هذا الموضوع، ويضيف إنه توجد عدة أنواع من الانتقام.

ويوضح أنه توجد عمليات للانتقام يجريها المرء في خياله وثمة أنواع أخرى ينفذها على أرض الواقع، وتوجد بالطبع نماذج للانتقام غير مقبولة وتؤدي فقط إلى تفاقم الموقف، غير أنه توجد نماذج أخرى يمكن أن تحقق بعض الفائدة، ويعرب جولفيتزر عن اعتقاده بأن الانتقام الذي يختمر في الذهن لمدة طويلة لا يمكن أن يكون مرضياً.

وأكدت الدراسات التي أجرتها أرلين ستيلويل وزملاؤها بجامعة ولاية نيويورك هذا الرأي، وأشارت نتائج هذه الدراسات إلى أن الأشخاص الذين لا يمارسون الانتقام يتعرضون لنوبات غضب أشد من هؤلاء الذي ينفذون عمليات الانتقام.

وبشكل عام يستخدم معظم الأشخاص ردود الفعل الانتقامية لتحقيق أكثر من هدف، وفي هذا الصدد يقول جولفيتزر انه في بعض الحالات يؤدي الانتقام إلى شعور الأشخاص بالرضا التام، ويوضح أن السبب في ذلك الشعور هو أن الانتقام يعد مسألة عملية للغاية ذات وظيفة.

حيث إنه يعد وسيلة لإبلاغ شخص ما بأنه لا يمكن أن يعامل شخصاً آخر بهذه الطريقة، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى توضيح موقف مثل: «إنني لست الشخص الذي يمكن أن يهان أو يهزم بسهولة»، ويكون الانتقام مرضياً فقط عندما يتلقى الشخص الآخر الرسالة.

وبالإضافة إلى ذلك يكون الانتقام طريقة لتعويض الشخص عن ظلم تعرض له، ويقول جولفيتزر إن الانتقام يقوم دائماً على الإحساس بالظلم، وأي شخص يشعر بأنه تعرض لمعاملة غير عادلة يسعى للانتقام، وهذا ما أكدته الدراسات التي أجريت بجامعة كالجاري بكندا، وفي دراسة أعدتها الباحثة سوزان بوون وفريق الأبحاث التابع لها أشار ما نسبته 47 في المائة من الذين أجريت عليهم الدراسة إلى أن الرغبة في الحصول على «العدل» كانت هي الدافع لهم للسعي للانتقام.

ومع ذلك لا يكون الانتقام هو رد الفعل الصحيح على الدوام، فتقول ماريا الصفطي وهي مدربة على أساليب الحياة بمدينة برلين، إنه في كثير من الحالات يولد الانتقام مشاعر رضا لحظية فحسب.

ولكنه لا يحقق شيئاً إيجابياً على المدى الطويل، وتضيف إنه على كل الأحوال فإن الانتقام يكون أحياناً مسألة مثيرة للخلاف، ومن المهم أن يتلقى الشخص الآخر الرسالة التي تقول: «إنني أدافع عن نفسي»، ولكن في السر يأمل معظم الأشخاص فقط أن يتوقف الشخص الآخر عن مواصلة سلوكه المؤذي.

وتعد العلاقة الرومانسية من المناطق التي لا يتمكن فيها الانتقام من حل المشكلات، وعلى سبيل المثال إذا خانك شريكك ثم قلت لنفسك سأخونه الآن بدوري فإن ذلك التصرف لن يحل المشكلة الحقيقية، وليس من الممكن أن تعالج جرحاً عن طريق إيذاء شخص آخر.

وتوضح ماريا الصفطي أن هذه ستصبح دائرة سيئة للغاية من المرجح أن تنتهي بالحرب والصراع يخسر فيها الجانبان وتنهار فيها مشاعر الحب، وكلما ألحق الشركاء الضرر ببعضهم البعض كان من الأكثر صعوبة الاقتراب من الشخص الآخر والعثور على اتفاق، وهذا السبب في أنها تعطي زبائنها النصيحة التالية: «إنه من الأفضل على المدى الطويل البحث عن حوار أو طرق أخرى لحل المشكلة الأساسية بدلاً من السعي للانتقام».

ويرى جولفيتزر أن ثمة جوانب سلبية في الانتقام، حيث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأمور، ويقول إن بعض أشكال الانتقام غير مقبولة مثل أسوأ الحالات التي تؤدي إلى العنف أو القتل، وبالتالي فهناك حدود للانتقام.


لماذا تكون غريزة الثأر قوية للغاية حتى عندما يكون من الواضح أن الموت والدمار على نطاق واسع سيكونان نتيجة محتملة أكثر بكثير من أي نوع من “النصر”؟ في حالة نشوب حرب نووية، لماذا يكون رد الضربة الثانية مؤكدًا جدًا في حين أنه قد لا يؤدي لإسترداد أي قيمة مادية؟ نحن نؤمن بهذه الأشياء لأن البشر يشتركون في تعطشهم للإنتقام في مواجهة التهديد وفي أعقاب الخسارة.

 إن الانتقام والثأر في جوهرهما يعتبران إستجابة نفسية للعدوان (Aggression). الانتقام له عدة سمات نفسية ذات صلة بفهم معنى الردع. على سبيل المثال – وربما على عكس ما هو متوقع – الإنتقام لا يكون بدافع عقلاني لمنع تكرار فعل التعدي في المستقبل، بل هو إلى حد كبير بهدف المتعة التي تنشأ عند تحقيق الإنتقام.

إن الأساس الفسيولوجي النفسي لهذه المتعة مدروس ومعروف في الأوساط العلمية وهو ذا علاقة مباشرة بمستقبلات المتعة والمكافئة.

آليات الانتقام:
كما إقترحنا أعلاه، أحد الأسباب التي تجعل فعل الردع فعّالا، على الرغم من لا عقلانيته كما في مثال الضربة النووية الثانية، هو أن التهديد بالانتقام والثأر يحفز مشاعر قوية تؤدي إلى مكافآت فسيولوجية (شعور بالمتعة أو الرضا).


تم في الفترة الأخيرة التوصل الى عشرات الأدلة البحثية، لاسيما في سيناريوهات الصراع، إلى تمييز مهم بين اثنين من المشاعر التي تعتبر أساسية في الصراع الجماعي بشكل عام، وطرق الردع على وجه التحديد. هذه المشاعر – الغضب والكراهية – توفر الأسس التحفيزية لأنظمة المعاملة بالمثل والثأر السلبي الموصوف أعلاه.

الغضب
الغضب هو مفتاح العملية وأساس فكرة المعاملة بالمثل. فهو مكون وظيفي لـنظام تحفيزي معقد في البشر مصمم لحل تضارب المصالح لصالح الطرف الغاضب. يرسل الغضب إشارة إلى الشخص الذي تم تجاوز حدود رفاهيته وبالنتيجة التركيز على وضع أهمية أكبر لمشاعر وحق الشخص الغاضب وهذا يترجم الى رد فعل مع شعور ذلك الفرد بأحقيته بالرد.

الكراهية
الغضب قد يغذي ردود الفعل في حالة التعامل مع الأعداء، حيث يسعى الخصم إلى إجبار خصمه لإعادة المعايرة على أمل تعاون ناجح في المستقبل.. ولكن في مواجهة الأعداء الألداء، يمكن للكراهية أن تنفجر تلقائيًا.

إن الرغبة والغريزة يمكن أن تتولى الجزء الباقي من عملية الإنتقام. بهذه الطريقة يصبح الهدف من الإنتقام أكثر من مجرد ضمان حق المضلوم، بل لأجل الإنتقام نفسه والمتعة الناتجة عنه.

إن الدافع المولد للرغبة بالإنتقام يظهر من خلال هرمونات مثل الأدرينالين. فالتنظيم الهرموني للشعور بالمتعة المرتبط بالانتقام لا يعتبر مفاجئة في السياق التطوري؛ حيث يكفي الانتقاء الطبيعي لتشكيل الأنظمة العصبية لل “الرغبة” أو تكوين “نكهة” في الانتقام عندما يكون ذلك مناسبًا بشكل تكيفي.

إيصال رسالة
إن فشل معظم الناس في الشعور بالرضا بعد الانتقام لا يعني أن الانتقام لن يشعر المنتقم بالرضا أبدًا. كان البحث عن هذا الجانب من الانتقام هو الدافع وراء العمل الأخير لـ عالم النفس الألماني ماريو كولويتزر. يقول كولويتزر: “أعتقد أن الانتقام لديه فرصة منخفضة بشكل عام للنجاح أو إرضاء المنتقم”. “أنا كنت مهتمًا بتلك الحالات التي يمكن أن يكون فيها الانتقام “حلوًا”، وتساءلت ما الذي يجعل الانتقام أمرًا لطيفًا بالنسبة إلى المنتقم “.

إستجابة لذلك الاهتمام، لقد صمم (Gollwitzer) بعض التجارب المتقنة؛ وكان إستنتاجه، كما يقول، أن الأمر يتطلب “معايرة دقيقة” لإثارة استجابة قوية من المشاركين مع البقاء داخل الحدود الأخلاقية للتجارب. (لا يسع المرء إلا أن يفكر، كم من المعلومات يمكن أن نتعلمه عن الانتقام إذا سُمح للمنتقم بقتل والد الجاني والزواج من أمه؟).

نظريات الثأر
 استكشف كولويتزر نظريتين حول سبب كون الثأر مرضيًا. تعرف الأولى باسم “المعاناة المقارنة” (Comparative suffering)، وهي فكرة أن مجرد رؤية الجاني يعاني يعيد التوازن العاطفي للمنتقم. إذا كان هذا صحياً، فإن ضحايا الإعتداءات الذين يتم إعلامهم بمصيبة حلت بالجاني يجب أن يشعروا بالرضا بنفس القدر في حالة كانوا مسؤولين بشكل شخصي عن تلك المصيبة.

النظرية الثانية – “فرضية الفهم”  ترى أن معاناة المعتدي لاتكفي لتحقيق إنتقام مرضي، وإنما بدلاً من ذلك يجب أن يتأكد المنتقم من أن الجاني توصل إلى فهم الصلة بين ما حصل له وفعلته الأولى.

ما بعد الثأر
يشير التاريخ الطويل للإنتقام في الفن إلى غريزة أساسية للعقاب متأصلة في الروح البشرية. في الواقع، تؤكد الحقائق الحديثة إلى حد كبير هذا الخيال القديم: حيث أن الثأر تم الاستشهاد به كعامل في واحدة من كل خمس جرائم قتل حدثت في اليمن ووجد تقرير من عام 2002 أنه بين عامي2014 2020ثلاثة من كل خمس حوادث بدافع الانتقام.

ولكن إذا كان طعم الانتقام سيئًا للغاية بالنسبة للإنسان، فلماذا يظل طبقًا مفضلًا للناس؟ رداً على هذا التناقض الواضح، فقد اعتنق العديد من علماء النفس تفسيرًا  يلخص كون إسترداد الحق بالإنتقام كوظيفة. حيث إقترحوا كون أعمال الإنتقام الفردية تستقبل على أنها إعلان للجماعة بأن أفعالاً معينة ستؤدي إلى رد فعل. بعبارة أخرى، قد يكون الغرض من الثأر أقل من كونه للرد على جريمة معينة بقدر ما يتعلق بمنع عدة جرائم أخرى أو تكرار تلك الجريمة أو الإعتداء. بالانتقام؟
للوهلة الأولى قد يبدو الانتقام مجرد ردَّة فعل غاضبة، وقد يعتقد كلٌّ منا أنه يعرف لماذا يريد أن ينتقم، ويفهم تماماً نتائج انتقامه، لكن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة، فالانتقام من أكثر الدوافع البشرية تعقيداً وغموضاً، من أكثر الدوافع التي تعرضت للنقد العلني من فلاسفة ومفكرين، لكنها على الرغم من ذلك لطالما حصلت على استحسان الناس ونظروا إلى المنتقم كشخص جيد! مع أنهم قد ينظرون للانتقام نفسه غالباً كدافع سيء! وهذا ما استغلَّه الكتَّاب وصنَّاع السينما جيداً في كتابة وصناعة المزيد من قصص الانتقام المؤثرة.

وقبل أن نناقش التأثير الحقيقي للانتقام على الشخص المنتقم لنتوقف مع حقيقية الدوافع الانتقامية:

الانتقام بدافع الغضب
الشعور بالغضب والاستفزاز نتيجة التعرض للإهانة أو الظلم هو من أبرز الدوافع الانتقامية الظاهرة، فمشاعر الغضب التي تهاجمنا جميعاً بدرجات متفاوتة تمثِّل المرحلة الأولى من التفكير الانتقامي، لكن ليس الغضب وحده ما يجعلنا نفكر بالانتقام، بل هناك جملة من المفاهيم الفلسفية العميقة والعوامل الأخرى التي تجعل الإنسان يفكر بالانتقام. 
الانتقام والعدالة
ومن أبرز هذه المفاهيم أنَّنا ننظر للانتقام كتحقيق للعدالة، لذلك نشعر برغبة شديدة بإيذاء شخص ما عندما نتعرض للظلم بسببه، بل غالباً ما نفكر على طريقة "يجب أن يشرب من الكأس نفسه" أي من مبدأ العين بالعين والسن بالسن.
حتَّى عندما نكون عاجزين عن رد الإهانة نلجأ إلى الدعاء مثلاً، وإذا تعرَّض الشخص المسيء لمصيبة لا علاقة لنا بها نطلق على ذلك "العدالة الإلهية"، لأننا نرى في الانتقام عدالة، وليس كل دعاء مستجاباً، وليست كل مصيبة انتقاماً من أحد للآخر.
الانتقام وعلاقته بالعار
من الملفت أيضاً أن الانتقام ليس واحداً في كل مكان، بل أن المجتمعات التي تتسم بنمط حياة جماعي كالمجتمعات العشائرية والقبلية يمتلك أفرادها ميولاً انتقامية أقوى مقارنة بالمجتمعات الفردية، وقد يعود ذلك لأحد سببين أو لكليهما:
الأول أن المجتمعات المترابطة والجماعية كالمجتمعات العشائرية تفرض معايير اجتماعية سائدة على الأفراد تتعلق بصورتهم الاجتماعية، فالتنازل عن الثأر في بعض هذه المجتمعات عار اجتماعي، ومن لا يرد الإهانة بإهانة سيتعرض دائماً لإهانات جديدة لأنه ضعيف، ولأن أحداً لن ينصفه ما لم ينتصف لنفسه من المسيء
وهنا يتضح السبب الثاني.... معظم المجتمعات العشائرية والجماعية تقع تحت نمط حكم شمولي لا يعتبر العدالة الاجتماعية قضية ذات أهمية، بالتالي يعتقد الأفراد أنهم مسؤولون عن تحقيق العدالة بأنفسهم، لذلك ستجد مفاهيم الثأر والانتقام تترسخ أكثر كلما كانت سلطة القانون أضعف وكلما كان تحقيق العدالة صعباً بطرق أخرى.
هذا لا ينطبق فقط على المجتمعات القبلية أو العشائرية، بل على المجتمعات التي تعيش في ظل حروب والتي يصبح فيها الانتقام واحداً من الأمور التي تجعل الحرب تستمر، كذلك الجماعات التي تنظم نفسها خارج القانون ولا تستطيع أن تلجأ إلى المحاكم للحصول على حقّها مثل العصابات.
الانتقام والردع
من الأسباب التي تجعلنا نفكر بالانتقام أيضاً أن الانتقام من وجهة نظرنا وسيلة فعالة للردع، وفي هذا الاعتقاد قدر كبير من الصحة، هذا ما كان يقوله عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد، أن المستبد لو رأى على جنب الرجل سيفاً لما أقدم على استبداده وظلمه!
لذلك فإن رغبتنا بالردع ومنع تكرار الفعل المسيء تدفعنا للقيام بالعمل الانتقامي كعقوبة وكتحذير في آنٍ معاً، وعادة ما نستخدم عبارة تدل على ذلك مثل: سأجعله يتعلم ألَّا يعيدها ثانيةً.
الانتقام والدماغ
في سبيل فهم ما يحصل في دماغنا عندما نفكر بالانتقام ونتخذ إجراءات انتقامية قام الباحثون بتطوير لعبة يتعرض فيها اللاعبون للاعب غير نزيه يكسب بطريقة غير عادلة، وتمكن الباحثون من تحديد المناطق التي تنشط في الدماغ عندما شعر اللاعبون بالظلم والغضب. [1]
ثم أتيحت للمظلومين الفرصة للانتقام، ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين كافحوا الانتقام أظهروا نشاطاً في القشرة الجبهية الظهرية الأمامية DLPFC، وفي الحالات التي كان فيها نمشاط هذه المنطقة محدوداً كان الانتقام أكثر وضوحاً، هذا ما جعل القائمين على الدراسة يفكرون أن تحفيز هذه المنطقة سيؤدي إلى مكافحة الدوافع الانتقامية.

الانتقام الحلو والانتقام المر
هل الانتقام جيد؟
على مستوى الأشخاص فهناك انقسام واضح، البعض يرى أن الانتقام فيه تحقيق عادل للعدالة بالتالي سيساعد الانتقام على تجاوز الإساءة والشعور بالظلم، وهناك من يعتقد أن الانتقام ردة فعل غاضبة وغير عقلانية، وأن الشخص الذي ينتهج الانتقام لن يكون مرتاحاً كما لو قرر تجاوز الإساءة.
وهذا الانقسام واضح أيضاً في الأقوال المأثورة، العين بالعين والسن بالسن، أم أن مبدأ العين بالعين سيجعل الجميع عميان وأن المنتقم يجب أن يحفر قبرين أحدهما له؟

الانتقام المُّر
في تجربة استهدفت فهم نتائج الانتقام على الأشخاص المنتقمين بشكل أفضل، قام الباحثون بتصميم لعبة استثمارية يشارك بها الطلاب باستثمار الأموال، وفي حال امتنع أحدهم عن الاستثمار سيحصل على مرابح غير متناسبة على حساب المشاركين بالاستثمار، وقام الباحثون بتعيين شخص يقوم بإقناع جميع المشاركين باتخاذ نفس الإجراء. [2]
الذين لم يشاركوا بالاستثمار ربحوا ضعف الذين شاركوا، وعندما عرض الباحثون على الأشخاص الذين تعرضوا للغبن أن ينتقموا كانوا جميعهم يرغبون بذلك فعلاً وسيدفعون جزءاً من أرباحهم لقاء الانتقام.
كانت النتيجة باختصار؛ أن الأشخاص الذين قاموا بالانتقام كان شعورهم أسوأ من الذين لم ينتقموا، مع أنهم توقعوا أن يكون الانتقام حلواً!

الانتقام الحلو
بعد أن وجد الباحثون أن الانتقام لا يخلق مشاعر إيجابية كما نتوقع تساءلوا: لماذا إذاً نفكر بالانتقام أو نتوقع منه أن يكون مفيداً؟ ولماذا نضحي برفاهيتنا وقد نخسر في سبيل الانتقام أكثر مما خسرنا بسبب الإساءة نفسها؟
فعلياً تختلف ردة فعلنا على الانتقام وفقاً للعديد من المعايير، وقد يكون الانتقام مفيداً للبعض إذا تم تنفيذه بطريقة غير مؤذية أو إجرامية، قد يبدو هذا الكلام غير مفهوم...
فعلياً يحقق الانتقام شعوراً إيجابياً بالانتصار واستعادة الحق والعدالة، ونتيجة ارتباط الأفكار الانتقامية بمنطقة المكافأة في الدماغ، لكنه أيضاً يخلق شعوراً سلبياً نتيجة ما نخسره في سبيل الانتقام
وشعور الذنب والتفكير إذا ما كان الانتقام خياراً صحيحاً، لذلك فالانتقام حلوٌ ومر، وأغلب حلاوته قبل وقوعه، وأغلب مرارته بعد تنفيذه!
ولذلك فكر الباحثون بطريقة مبتكرة لمعالجة دوافع ومشاعر الانتقام لدى من يتعرضون للإساءة، وذلك من خلال تجريب إشراك المجني عليه بمحاكمة وهمية للجاني، هذه المحاكمة مطابقة للمحاكمة القانونية التي لا تعتبر انتقاماً، لكن مشاركة المجني عليه بمحاكمة الجاني عالجت مشاعر الحقد ودوافع الانتقام، بل أنها خلقت نوع من التعاطف مع الجاني. [3]

كيف نواجه مشاعر الانتقام
يبدو أنَّ الانتقام غالباً ما يتطلب منَّا مجهوداً أكثر مما تتطلب المسامحة أو الغفران، وغالباً ما يتحول الانتقام إلى دائرة لا تنتهي من الانتقام والانتقام المضاد، انظر إلى الحروب الأهلية التي تنشأ أساساً على تغذية مشاعر الانتقام بين الأفراد وعلى تناميها، ثم ينتهي الأمر بعقد هدنة قبل أن ينقرض أطراف الصراع!

إذا كنت مقتنعاً أن الانتقام ليس هو الحل؛ إليك بعض النصائح التي تساعدك على مواجهة مشاعر ودوافع الانتقام:

تذكر أن الانتقام رد فعل غاضب: ذكرنا في البداية أن أبرز الدوافع للانتقام هو الغضب الذي ينتج عن الشعور بالظلم أو الغدر أو الاضطهاد، وكما هو معروف فإن المشاعر التي تنتابنا في حالات الغضب والأفكار أو القرارات التي تترافق مع نوبات الغضب لا تكون حكيمة دائماً، لذلك فإن تهدئة النفس حتى زوال مشاعر الغضب قد تساعدنا على اتخاذ خيارات أفضل من الانتقام.
ما الذي سيحصل عندما لا تنتقم؟ نقاشنا في الفقرات السابقة ما يحصل عندما تنتقم، لكن هل فكرت بما سيحصل عندما لا تنتقم؟ بباسطة لا شيء يذكر، بل أنك قد تستطيع تقييم الأمور بطرق مختلفة ربما تجعلك سعيداً لأنَّك لم تنتقم!
فكر بالظروف والحقائق: من الأسباب التي قد تجعلنا نندم بشدة على الانتقام أن نكتشف لاحقاً فهمنا الخاطئ للأمور، أو أننا بالغنا بالانتقام تناسباً مع الإساءة، لذلك من المفيد أن تأخذ وقتك في التفكير والاستطلاع لتفهم أكثر سبب الإساءة أو الظلم.
هل أنت متأكد أنك ضحية: في كثير من الأحيان قد نتعرض للظلم ونغضب وننتقم، ثم نكتشف أننا كنا قادرين على تجنب كل ذلك منذ البداية، وأننا وقعنا تحت الظلم أو الاساءة باختيارنا، تماماً كما ينتقم المجرم من القاضي.
قارن بين النتائج:
 أيهما أفضل أن تنتقم من الزوجة الخائنة أم أن تخرجها من حياتك؟ أيهما أفضل?
عتقدلافضل ان تتعلم من التجربة وتتابع حياتكِ؟
 قارن دائماً بين معطيات الانتقام ونتائجه وبين فائدة أن تتابع حياتك.
الانتقام والقانون:
 تذكَّر أن التنازل عن الانتقام لا يعني التنازل عن الحقوق، فإذا تعرضت للاحتيال بطبيعة الحال يجب أن تلاحق المحتال قضائياً، لكن الانتقام منه خارج هذا الإطار قد يجعلك أنت المجرم ويرمي بك خلف القضبان.

فوائد التسامح

في كل يوم يتأكد العلماء من شيء جديد في رحلتهم لعلاج الأمراض المستعصية، وآخر هذه الاكتشافات ما وجده الباحثون من أسرار التسامح! فقد أدرك علماء النفس حديثاً أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وفي دراسة نشرت مؤخرا اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة ثانية.

فقد جاؤوا بعدد من الأشخاص وقاموا بدراستهم دراسة دقيقة، درسوا واقعهم الاجتماعي ودرسوا ظروفهم المادية والمعنوية، ووجهوا إليهم العديد من الأسئلة التي تعطي بمجموعها مؤشراً على سعادة الإنسان في الحياة.

وكانت المفاجأة أن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحاً مع غيرهم! فقرروا بعد ذلك إجراء التجارب لاكتشاف العلاقة بين التسامح وبين أهم أمراض العصر مرض القلب، وكانت المفاجأة من جديد أن الأشخاص الذين تعودوا على العفو والتسامح وأن يصفحوا عمن أساء إليهم هم أقل الأشخاص انفعالاً.

وتبين بنتيجة هذه الدراسات أن هؤلاء المتسامحين لا يعانون من ضغط الدم، وعمل القلب لديهم فيه انتظام أكثر من غيرهم، ولديهم قدرة على الإبداع أكثر، وكذلك خلصت دراسات أخرى إلى أن التسامح يطيل العمر، فأطول الناس أعماراً هم أكثرهم تسامحاً



https://www.facebook.com/100064597820165/posts/pfbid033fERJeLDrrbZWg5R8WThKjhRE4tuvPV7QN75CcCXBM6twdnxgGqNmaGpE2Tbn8CGl/?app=fbl

اعداد/سفيرالسلام محمدعبدالكريم الشعيبي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملخص كتاب القلوب المنكسره

الانحلال الاخلاقي