الصمت وعدم الرد

من أكثر المشاعر إرباكًا أن تشتاق لشخص لا يرد عليك. تفتح هاتفك، تنتظر إشعارًا، تعيد قراءة آخر رسالة، ثم تسأل نفسك بصمت: لماذا أشتاق لمن يتجاهلني؟
المنطق يقول ابتعد، لكن القلب يقول انتظر… وهنا تبدأ الحيرة.

الاشتياق في هذه الحالة لا يكون دائمًا حبًا خالصًا، بل غالبًا مزيجًا معقدًا من التعلّق، والانتظار، والأسئلة غير المُجابة. العقل البشري لا يحب الأمور المعلّقة، وعندما يختفي الرد، يترك فراغًا نفسيًا مؤلمًا، فيبدأ العقل بمحاولة ملئه بالتفكير المستمر.

عندما لا يرد شخص ما، فإنه – دون قصد أو بقصد – يضعك في حالة عدم يقين.
هل هو مشغول؟
هل فقد الاهتمام؟
هل أخطأت؟
وهذا الغموض هو الوقود الحقيقي للاشتياق. لأن الوضوح، مهما كان مؤلمًا، أرحم من الصمت.

في علم النفس، هناك ما يُعرف بـ”الارتباط القَلِق”. وهو نمط يجعل الإنسان يتعلّق أكثر عندما يشعر بأن الطرف الآخر يبتعد. كل تأخير في الرد يُترجم داخليًا على أنه تهديد بالفقد، فيرتفع مستوى الاشتياق بدل أن ينخفض. ليس لأن الطرف الآخر مميز أكثر، بل لأن غيابه أيقظ الخوف.

أحيانًا، نشتاق لمن لا يرد لأننا ربطنا قيمتنا بردّه.
كأن الرسالة أصبحت إثباتًا للاهتمام، وغيابها يُشعرنا بأننا غير مهمين. فنبدأ بمحاولة استعادة الشعور، ليس بالشخص ذاته، بل بالإحساس الذي كان يمنحنا إياه.

وهناك سبب أعمق…
نحن لا نشتاق للشخص بقدر ما نشتاق لـ النسخة التي كنا نكونها معه.
نشتاق للاهتمام الأول، للضحك، للشعور بأن هناك من ينتظرنا. وعندما يتوقف الرد، لا نفقده فقط، بل نفقد ذلك الجزء من أنفسنا.

لكن الحقيقة المؤلمة هي:
من يريدك، لا يتركك في حيرة.
ومن يهتم، لا يجعل الصمت لغته الأساسية.

الاشتياق لمن لا يرد هو رسالة داخلية، لا عنهم… بل عنك.
عن حاجتك للأمان، للاهتمام، للتقدير.
وعندما تفهم ذلك، يبدأ التحرر. لأنك تدرك أن ما تبحث عنه لا يجب أن يكون مع شخص يجعلك تشك في قيمتك.

أحيانًا، الشفاء لا يكون في وصول الرد…
بل في توقفك عن انتظاره.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصديق بوجودالطاقه السلبيه والطاقه الايجابية في الاسلام

ملخص كتاب القلوب المنكسره

تعريف السلوك الخاص والعام